الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **
وهي سنة خمس وخمسين وثمانمائة. وفيها كان تزايد الغلاء حتى خرج عن الحد وبيع القمح بنحو ألف وخمسمائة درهم الإردب والفول والشعير بألف درهم الإردب ثم تزايد بعد ذلك على ما حررناه في الحوادث. وفيها توفي الخليفة أمير المؤمنين المستكفي بالله أبو الربيع سليمان ابن الخليفة المتوكل على الله أبي عبد الله محمد بالقاهرة في يوم الجمعة ثاني المحرم وقد تقدم ذكر نسبه إلى العباس في ترجمة أخيه المعتضد داود من هذا الكتاب وتولى الخلافة بعده أخوه حمزة بغير عهد منه ولقب بالقائم بأمر الله. ونزل السلطان الملك الظاهر للصلاة عليه بمصلاة المؤمني ومشى في جنازته إلى أن شهد دفنه وربما أراد حمل نعشه في طريقه. ومات المستكفي وهو في عشر الستين بعد أن أقام في الخلافة تسع سنين ونحو عشرة أشهر. وكان دينًا خيرًا منجمعًا عن الناس بالكلية كثير الصمت قليل الكلام. ذكر عنه أخوه أمير المؤمنين المعتضد داود - وكان شقيقه - عندما عهد له بالخلافة في مرض موته أنه لا يعرف عليه كبيرة في مدة عمره - رحمه الله تعالى. وتوفي القاضي جمال الدين عبد الله بن محمد بن عبد الله بن يوسف بن عبد الله بن هشام الحنبلي الفقيه أحد نواب الحكم بالقاهرة في العشر الأخير من المحرم. وكان فقيهًا فاضلًا مشكور السيرة في أحكامه - رحمه الله تعالى. وتوفي الرئيس مجد الدين عبد الرحمن بن عبد الغني بن الجيعان ناظر الخزانة الشريفة السلطانية وكاتبها في يوم الخميس تاسع عشرين المحرم بعد قدومه من الحجاز متمرضًا. وخلف عدة أولاد أمهاتهم أمهات أولاد جوار بيض مسلمات. وتوفي القاضي شمس الدين محمد بن أحمد بن محمد المعروف بابن زبالة الشافعي المصري الأصل والمولد قاضي قضاة مدينة الينبع بها في هذه السنة. وكان مولده بباب البحر خارج القاهرة ثم انتقل إلى الينبع بعد أمور وولي قضاءها إلى أن مات. وكان له سمعة وصيت بتلك البلاد. وتوفي السلطان خوندكار مراد بك ابن السلطان محمد بك كرشجي بن أبي يزيد بن عثمان متملك برصا وأدرنابولي وما والاهما من ممالك الروم في سابع المحرم بمملكة الروم. وتولى الملك من بعده ولده السلطان محمد بن مراد بك واقتدى بسنة أبيه في الجهاد والغزو ونكاية العدو وأخذ البلاد والقلاع من يد الفرنج. ومات السلطان مراد بك وهو في أوائل الكهولية وكان خير ملوك زمانه شرقًا وغربًا مما اشتمل عليه من العقل والحزم والعزم والكرم والشجاعة والسؤدد. وأفنى عمره في الجهاد في سبيل الله تعالى وغزا عدة غزوات وفتح عدة فتوحات وملك الحصون المنيعة والقلاع والمدن من العدو المخذول. على أنه كان منهمكًا في اللذات التي تهواها النفوس ولعل حاله كقول بعض الأخيار - وقد سئل عن دينه - فقال: " أمزقه بالمعاصي وأرقعه بالاستغفار ". فهو أحق بعفو الله وكرمه فإن له المواقف المشهورة وله اليد البيضاء في الإسلام ونكاية العدو حتى قيل عنه إنه كان سياجًا للإسلام والمسلمين - عفا الله عنه وعوض وتوفي الشيخ شمس الدين محمد بن محمد بن علي بن محمد بن حسان الفقيه الشافعي شيخ خانقاه سعيد السعداء في يوم السبت أول شهر ربيع الأول. وكان فقيهًا دينًا مشكور السيرة وتولى مشيخة سعيد السعداء من بعده الشيخ خالد. وتوفي الشيخ شمس الدين محمد بن محمد بن إسماعيل بن يوسف بن عثمان بن عماد الحلبي الأصل المعروف بالحجازي ابن أخت السخاوي في يوم الخميس ثالث عشر ربيع الأول. وكان أديبًا وهو ممن عرف في هذه الدولة بخاله خليل السخاوي وعد من بياض الناس على أنه كان قليل البضاعة من العلوم والفضيلة. وتوفي الشيخ شمس الدين محمد الحنفي الرومي الأصل والمولد المصري الدار والوفاة المعروف بالكاتب في يوم الأحد ثالث عشرين شهر ربيع الأول بعد أن نال حظًا من ملوك مصر لا سيما من الملك الظاهر جقمق فإنه عظم في دولته إلى الغاية ونالته السعادة وعد من الرؤساء ولم يكن لذلك أهلًا غير أن ملوك زماننا كالعميان يضع الواحد يده على كتف الواحد فمهما تحرك الأول بحركة تحرك الثاني بمثله. فأول من قرب شمس الدين هذا الظاهر ططر فاقتدى جميع من جاء بعده من السلاطين به من تقريب شمس الدين هذا ولا يعرف أحدهم لم قربه واختص به غير الظاهر ططر فإنه كان له مقاصد لا يعرفها هؤلاء ثم انحط قدره ونكب وصودر وادعي عليه عند القضاة بدعاوى اقتضت تعزيره وحبسه بسجن الرحبة وقاسى أهوالًا كل ذلك بأمر السلطان الملك الظاهر جقمق لما تغير عليه نكالًا من الله. فإنه كان واسطة سوء مع دهاء ومكر وعقل تام فإنه اتصل لما اتصل. ولم يقتن دابة يركبها بل كان كلما أراد أن يطلع القلعة ركب من الشخونية حمالًا مكاريًا بالكري وطلع إلى القلعة واجتمع بالسلطان ثم نزل وعاد على الحمار المذكور إلى داره بالشيخونية في كل يوم على ذلك. وكان قليل العلم إلا أنه كان له مشاركة ومحاضرة ومعرفة بمداخلة الملوك محظوظًا عندهم. كان مرتبه في اليوم على الجوالي فقط دينارين وله أشياء في ذلك. وكان شكلًا مهولًا طوالًا ذا لحية كبيرة وعلى رأسه عمامة هائلة وقبع جوخ كبير جدًا ويلف عليه أزيد من ثوب بعلبكي رفيع وقيل ثوبان عوضًا من الشاش. ومع تقربه من الملوك كان عنده عفة عن أموال الناس وعدم طمع بالنسبة إلى غيره - رحمه الله. وتوفي الشيخ المعتقد محمد السفاري نزيل جامع عمرو بن العاص في يوم الجمعة حادي عشر جمادى الأولى. وقد ذكرنا واقعته مع الملك الظاهر جقمق في " الحوادث " وملخصها أنه كان وقع من بعض فقرائه ما أوجب إحضاره فامتنع فألح السلطان على الوالي بإحضار الشيخ محمد المذكور فلما حضر إليه ثانيًا أفحش في الجواب للوالي ثم تكلم في الملأ بكلام يدل على موت السلطان في سابع عشر جمادى الأولى وشاع ذلك بين الناس فمات الشيخ قبل ذلك اليوم أعني يوم سابع عشر جمادى الأولى بستة أيام فتعجب الناس من ذلك. والذي أظنه أن الشيخ ما قال إلا عن نفسه فتوهمت العامة أن الشيخ يشير بذلك عن السلطان والله أعلم وعلى كل حال واقعة غريبة - رحمه الله. وتوفي السيد الشريف هلمان بن وبير بن نخبار أمير مدينة الينبع بها في أواخر جمادى الأولى وهو في أوائل الكهولية. وكان شابًا مليح الوجه مشكور السيرة لولا أنه على مذهب القوم - عفا الله عنه. وتولى بعده إمرة الينبع أخوه سنقر. وكانت ولاية هلمان المذكور بعد عزل ابن أخيه معز بن هجان بن وبير بن نخبار في سنة تسع وأربعين وثمانمائة - اه. وتوفي السيد الشريف أميان بن مانع الحسيني المدني أمير المدينة الشريفة النبوية - على ساكنها أفضل الصلاة والسلام - في جمادى الآخرة بها وتولى إمرة المدينة من بعده زبير بن قيس بن ثابت. وتوفي الأمير ناصر الدين محمد الحلبي الحاجب الثاني بحلب المعروف بابن ألتغا في يوم السبت سابع عشرين شهر رمضان بالقاهرة غريبًا عن أهله وعياله. وكان أصله من بعض قرى حلب وترقى في الخدم حتى لبس زي الجند وخدم أستادارًا عند بعض أعيان حلب وتمول وترقى بالبذل حتى صار حاجبًا ثانيًا بحلب وهو لا يعرف كلمة مركبة باللغة التركية ويتلفظ في كلامه بألفاظ فلاحي القرى إلى أن مات غير أنه كان مشكور السيرة كريم النفس - رحمه الله. وتوفي القاضي تاج الدين محمد ابن قاضي القضاة جلال الدين عبد الرحمن ابن شيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقيني الشافعي في يوم السبت سابع عشرين شهر رمضان ودفن من الغد عن ثمان وستين سنة. وخلف مالًا كثيرًا وكان مسيكًا بخيلًا وإليه أشار الحافظ ابن حجر بقوله: السريع مات جلال الدين قالوا: ابنه يخلفه أو فالأخ الراجح فقلت تاج الدين لا لائق لمنصب الحكم ولا صالح أراد بتاج الدين هذا في الأول ثم بالتورية قاضي القضاة علم الدين صالح البلقيني. وتوفي الأمير سيف الدين يشبك بن عبد الله السيفي سودون الحمزاوي نائب صفد بها في ليلة السبت تاسع عشرين شهر رمضان. وكان يشبك المذكور ولي دوادارية السلطان بحلب سنين ثم ولي نيابة غزة ثم نقل إلى نيابة صفد إلى أن مات بها. وكان مشكور السيرة لم تسبق له رئاسة بالديار المصرية. وتولى الأمير بيغوت المؤيدي بعده نيابة صفد ثاني مرة - رحمه الله تعالى. وتوفي الأمير شهاب الدين أحمد ابن أمير علي بن إينال اليوسفي الأتابكي أحد مقدمي الألوف بالديار المصرية في ليلة الثلاثاء سابع عشرين ذي القعدة وحضر السلطان الصلاة عليه بمصلاة المؤمني ودفن بتربة جده الأتابك إينال ومات وسنه نحو خمسين سنة تخمينًا وإلى والده أمير علي ينتسب الملك الظاهر جقمق بالعلائي وقد تقدم ذكر ذلك كله في أول ترجمة الملك الظاهر جقمق وكيف أخذه الملك الظاهر برقوق منه. وكان أحمد المذكور أميرًا ضخمًا عاقلًا رئيسًا دينًا خيرًا متواضعًا عارفًا بأنواع الفروسية وعنده محبة للفقراء وأرباب الصلاح وكان سمينًا جدًا لا يحمله إلا الجياد من الخيل وكان ممن رقاه الملك الظاهر جقمق وأمره عشرة في أوائل سلطنته ثم ولاه نيابة الإسكندرية وزاده عدة زيادات على إقطاعه ثم أنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف عوضًا عن الأمير إينال العلائي بحكم انتقاله إلى الأتابكية بعد موت يشبك السودوني المشد فدام على ذلك إلى أن مات وتأسف الناس عليه لحسن السيرة إلى أخيه محمد وإلى الشهابي أحمد بن نوروز شاد الأغنام فإنهما كانا أسوأ حواشي الملك الظاهر جقمق سيرة بخلاف الشهابي أحمد فإنه لم يكن له كلمة في الدولة إلا بخير - رحمه الله تعالى. وتوفي السيد الشريف إبراهيم بن حسن بن عجلان الحسني المقبوض عليه مع أخيه علي بن حسن قبل تاريخه بمكة وكان قد حمل إلى القاهرة وحبس بالبرج من القلعة مدة طويلة ثم أخرج مع أخيه إلى ثغر دمياط فدام به بعد موت أخيه علي إلى أن مات في هذا التاريخ. وتوفي الأمير سيف الدين تمراز بن عبد الله من بكتمر المؤيدي المصارع شاد بندر جدة قتيلًا بالحديدة من بلاد اليمن في خامس عشرين شهر رمضان بعد أن فر من جدة بمال السلطان عاصيًا عليه فلم يحصل له ما قصد وقد أوضحنا أمره وما وقع له من يوم خروجه من جدة إلى يوم موته في أصل هذه الترجمة سياقًا في أواخر ترجمة الملك الظاهر هذا. وتوفي قاضي القضاة شيخ الإسلام بدر الدين أبو الثناء وقيل أبو محمد بدر الدين محمود ابن القاضي شهاب الدين أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين بن يوسف بن محمود العينتابي الحنفي قاضي قضاة الديار المصرية وعالمها ومؤرخها في ليلة الثلاثاء رابع ذي الحجة ودفن من الغد بمدرسته التي أنشأها تجاه داره بالقرب من جامع الأزهر. ومولده بعينتاب في سنة اثنتين وستين وسبعمائة ونشأ بها وتفقه بوالده بعد حفظه القرآن الكريم وكان أبوه قاضي عينتاب وتوفي بها في شهر رجب سنة أربع وثمانين وسبعمائة ثم رحل ولده القاضي بدر الدين هذا بعد موته إلى حلب وتفقه بها وأخذ عن العلامة جمال الدين يوسف بن موسى الملطي الحنفي وغيره ثم قدم لزيارة بيت المقدس فلقي به العلامة علاء الدين العلاء بن أحمد بن محمد السيرامي الحنفي شيخ المدرسة الظاهرية - برقوق - وكان أيضًا توجه لزيارة بيت المقدس فاستقدمه معه إلى القاهرة في سنة ثمان وثمانين وسبعمائة ونزله في جملة الصوفية بالمدرسة الظاهرية - برقوق - ثم قرره خادمًا بها. ثم بعد ذلك أمور حكيناها في ترجمته في المنهل الصافي إلى أن عرف بين الطلبة وفضل في علوم وصحب الأمير جكم من عوض والأمير قلمطاي العثماني الدوادار وتغري بردي القردمي إلى أن توفي الملك الظاهر برقوق في سنة إحدى وثمانمائة فولي حسبة القاهرة في مستهل ذي الحجة من السنة بسفارة هؤلاء الأمراء عوضًا عن الشيخ تقي الدين أحمد المقريزي فمن يومئذ وقعت العداوة بينهما إلى أن ماتا. ثم صرف بعد أشهر وتولى حسبة القاهرة غير مرة وآخر ولايته للحسبة في سنة ست وأربعين وثمانمائة عوضًا عن يرعلي الخراساني - انتهى. فنعود إلى ما كنا بصدده: ثم ولي القاضي بدر الدين هذا نظر الأحباس في الدولة المؤيدية ولما تسلطن الملك الأشرف برسباي صحبه وعظم عنده إلى الغاية وصار ينادمه ويقرأ له التواريخ من أيام السلف من الوقائع والأخبار ويعلمه كان يقرأ له التاريخ باللغة العربية ثم يفسره له باللغة التركية وكان فصيحًا اللغتين. وكان الملك الأشرف يسأله كثيرًا عن دينه وعما يحتاج إليه من العبادات وغيرها فيجيبه القاضي بدر الدين المذكور بعبارة تقرب من فهمه حتى لقد سمعت الأشرف يقول غير مرة: " لولا العينتابي لكان في إسلامنا شيء ". وولاه قضاء الحنفية مرتين. ومات الأشرف وهو قاض فعزل في الدولة العزيزية بالشيخ سعد الدين سعد الديري ولزم داره على نظر الأحباس مدة سنين إلى أن سعى علاء الدين علي بن آقبرس فيها ووليها فاستقبح الناس عليه ذلك من وجوه عديدة ثم مات بعد بمدة يسيرة. وكان إمامًا فقيهًا أصوليًا نحويًا لغويًا بارعًا في علوم كثيرة وأفتى ودرس سنين وصنف التصانيف المفيدة النافعة وكتب التاريخ وصنف فيه مصنفات كثيرة ذكرناها مع جملة مصنفاته في " المنهل الصافي " يطول الشرح في ذكرها هنا ولما انتهينا من الصلاة على قاضي القضاة بدر الدين هذا بجامع الأزهر وخرجنا إلى مشاهدة دفنه قال لي قاضي القضاة بدر الدين محمد بن عبد المنعم البغدادي الحنبلي: " خلا لك البر فبض وأصفر " فلم أرد عليه وأرسلت إليه بعد عودي إلى منزلي ورقة بخط العيني هذا يسألني فيه عن شيء سئل عنه في التاريخ من بعض الأعيان ويعتذر عن الإجابة بكبر سنه وتشتت ذهنه ثم بسط القول في الشكر والمدح والثناء إلى أن قال: " وقد صار المعول عليك الآن في هذا الشأن وأنت فارس ميدانه وأستاذ زمانه فاشكر الله على ذلك ". وكان تاريخ كتابة الورقة المذكورة في سنة تسع وأربعين وثمانمائة - انتهى. وتوفي السيد الشريف عفيف الدين أبو بكر محمد بن محمد بن عبد الله الأيكي العجمي الشافعي نزيل مكة المشرفة بمنى في ثاني يوم من التشريق وحمل إلى مكة ودفن بها وكانت جنازته مشهودة. وكان الناس في أمره وصلاحه على أقسام. رأيته بمكة واجتمعت به مجلسًا خفيفًا - رحمه الله. وتوفي الشيخ المعتقد الصالح أحمد الترابي المصري فجأة في يوم الجمعة حادي عشر ذي الحجة ودفن بزاويته من الغد بالقرب من تربة الشيخ جوشن خارج باب النصر. وكان رجلًا صالحًا دينًا خيرًا معتقدًا وكنت أصحبه وكان لي فيه اعتقاد ومحبة - رحمه الله تعالى أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم أربعة أذرع وخمسة عشر إصبعًا. مبلغ الزيادة ثمانية عشر وثمانية أصابع. السنة الخامسة عشرة من سلطنة الظاهر جقمق وهي سنة ست وخمسين وثمانمائة. فيها أخذ الغلاء في انحطاط من الديار المصرية وأعمالها. وفيها توفي الشيخ الإمام العلامة علاء الدين علي ابن الشيخ قطب الدين أحمد القلقشندي الشافعي أحد فقهاء الشافعية في يوم الاثنين مستهل المحرم ودفن الغد في يوم الثلاثاء خارج القاهرة. ومولده بالقاهرة في ذي الحجة سنة ثمان وثمانين وسبعمائة ونشأ بها وحفظ عدة متون في مذهبه وتفقه بعلماء عصره مثل شيخ الإسلام السراج البلقيني وولده قاضي القضاة جلال الدين والعلامة عز الدين بن جماعة أخذ عنه المعقول وعن الشيخ الإمام العلامة فريد عصره علاء الدين محمد البخاري الحنفي وقاضي القضاة شمس الدين محمد البساطي المالكي وغيرهم. وبرع في عدة علوم وأفتى ودرس وتولى عدة تداريس ورشح لقضاء الديار المصرية غير مرة وسئل بقضاء دمشق فامتنع وتصدى للاشتغال سنين وانتفع به جماعة من الطلبة - رحمه الله تعالى. وتوفي الإمام المقرىء ناصر الدين محمد بن كزل بغا الحنفي إمام المدرسة الأشرفية بالعنبريين في يوم الأحد تاسع عشر صفر وهو في عشر الخمسين. ومات ولم يخلف بعده في القراءات وحسن التأدي لا سيما في قراءة المحراب فإنه كان من الأفراد في ذلك وكان أبوه من مماليك الأمير ألطنبغا الجوباني نائب دمشق - رحمه الله تعالى. وتوفي عظيم الديار المصرية وعالمها ورئيسها كمال الدين أبو المعالي محمد ابن العلامة القاضي ناصر الدين أبي المعالي محمد ابن القاضي كمال الدين محمد بن عثمان بن عثمان بن محمد بن عبد الرحيم بن هبة الله البارزي الحموي الجهني الشافعي كاتب السر الشريف بالديار المصرية وابن كاتب سرها وصهر السلطان الملك الظاهر جقمق بداره بخط الخراطين من القاهرة في يوم الأحد سادس عشرين صفر وحضر السلطان الصلاة عليه بمصلاة المؤمني ودفن عنده والده بالقرافة الصغرى تجاه شباك الإمام الشافعي - رضي الله عنه. سألته عن مولده فقال: بحماة في ذي الحجة سنة ست وتسعين وسبعمائة. قلت: ونشأ بها تحت كنف والده وحفظ القرآن العزيز وصفى التراويح بالناس في الديار المصرية لما قدم مع والده سنة تسع وثمانمائة ثم عاد مع والده إلى حماة وحفظ التمييز في الفقه وقرأه على الحافظ برهان الدين إبراهيم الحلبي المعروف بالقوف. ثم قدم إلى الديار المصرية مع والده أيضًا بعد قتل الملك الناصر فرج في سنة خمس عشرة وثمانمائة وتفقه بقاضي القضاة ولي الدين أحمد العراقي وأخذ المعقول عن العلامة عز الدين بن جماعة وعن تلميذه ابن الأديب وأخذ أيضًا عن قاضي القضاة شمس الدين البساطي المالكي وعن العلامة البارع الزاهد علاء الدين محمد البخاري الحنفي ولازمه كثيرًا وانتفع بدروسه وأخذ النحو في مبادئ أمره عن الشيخ يحيى العجيسي المغربي وغيره وسمع البخاري من عائشة بنت عبد الهادي. واجتهد في طلب العلم وساعده في ذلك الذكاء المفرط والده المستقيم والتصور الصحيح حتى برع في المنطوق والمفهوم وصارت له اليد الطولى في المنثور والمنظوم لا سيما في الترسل والإنشاء والمكاتبات فإنه كان إمام عصره في ذلك هذا مع ما اشتمل عليه من العقل والعراقة والسكون والسؤدد والكرم والإكرام وسياسة الخلق وحسن الخلق والرئاسة الضخمة والفضل الغزير. وباشر كتابة السر في أيام والده نيابة عنه وعمره نيف على عشرين سنة. ثم استقل بالوظيفة نيفًا على ثلاثين سنة على أنه صرف عنها غير مرة المدة الطويلة. وأول ولايته لكتابة السر في يوم السبت خامس عشرين شوال سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة في الدولة المؤيدية شيخ تلقاها عن والده القاضي ناصر الدين بعد موته واستمر في الوظيفة إلى أن صرف عنها بصهره علم الدين داود بن الكويز ناظر الجيوش بالديار المصرية واستقر القاضي كمال الدين هذا في وظيفة نظر الجيش عوضًا عن علم الدين المذكور - أعني أن كلًا منهما أخذ وظيفة الآخر - وذلك في محرم سنة أربع وعشرين فباشر وظيفة نظر الجيش إلى أن صرف عنها بعبد الباسط بن خليل الدمشقي في يوم الاثنين سابع ذي القعدة من سنة أربع وعشرين المذكورة فلزم القاضي كمال الدين هذا داره على هيئة عمله من الحشم والخدم والإحسان لمن يرد عليه من كل طائفة وأكب على الاشتغال وطلب العلوم مدة سنين إلى أن طلبه الملك الأشرف برسباي في يوم سابع شهر رجب سنة إحدى وثلاثين وخلع عليه باستقراره في كتابة سر دمشق بعد موت بدر الدين حسين فتوجه إلى دمشق وباشر كتابة سرها مدة إلى أن قدم القاهرة صحبة الأمير سودون من عبد الرحمن نائب دمشق وعزل سودون وتولى جارقطلو نيابة دمشق فخلع السلطان عليه بقضاء دمشق مضافًا لكتابة سرها وكان ذلك في يوم الأربعاء مستهل شعبان سنة خمس وثلاثين فباشر الوظيفتين معًا وحسنت سيرته وأحبه أهل دمشق. ومن غريب ما اتفق في ولايته لقضاء دمشق أن العلامة علاء الدين البخاري كان إذا ولي أحد من طلبته القضاء أو الحسبة يغضب عليه ويمنعه من دروسه فلما بلغه ولاية القاضي كمال الدين هذا فرح وقال: " الآن أمن الناس على أموالهم ونفوسهم " وناهيك بقول الشيخ علاء الدين هذا في حقه. واستمر على وظيفتيه بدمشق إلى أن طلب إلى الديار المصرية وولي كتابة سرها بعد عزل الصاحب كريم الدين عبد الكريم بن كاتب المناخ في يوم السبت العشرين من شهر ربيع الآخر سنة ست وثلاثين وثمانمائة فباشر الوظيفة مدة إلى أن صرف عنها بالشيخ محب الدين بن الأشقر في يوم الخميس سابع شهر رجب سنة تسع وثلاثين. . . ولزم المقر الكمالي داره إلى أن أعيد إلى قضاء دمشق مسؤولًا في ذلك في يوم الثلاثاء مستهل شهر رجب سنة أربعين وثمانمائة فباشر قضاء دمشق ثانيًا وخطب بالجامع الأموي وكتب إليه الشرفي يحيى بن العطار وهو بدمشق: البسيط يا سيدًا جد بالنوى لي وطال ما جاد بالنوال من منذ سافرت زاد نقصي يا طول شوقي إلى الكمال فأجابه القاضي كمال الدين المذكور - وأنشدنيها من لفظه لنفسه - رحمه الله تعالى: الطويل خيالك في عيني يؤنس وحدتي على أن داء الشوق في مهجتي أعيا فإن مات من فرط اشتياقي تصبري أعلله بالوصل من سيدي يحيى ومن شعره - رحمه الله - أيضًا ما كتبه على سيرة ابن ناهض بعد كتابة والده القاضي ناصر الدين: الرجز مرت على فهمي وحلو لفظها مكرر فما عسى أن أصنعا ووالدي دام بقاه سؤدده لم يبق فيها للكمال موضعا وله أشياء غير ذلك ذكرناها في غير هذا المحل. واستمر القاضي كمال الدين على قضاء دمشق إلى أن طلب من دمشق الديار المصرية في الدولة العزيزية - يوسف - فحضر بعد سلطنة صهره الملك الظاهر جقمق وطلع إلى القلعة بعد أن احتفل وجوه الدولة إلى ملاقاته وخلع عليه باستقراره في كتابة السر على عادته بعد عزل الصاحب بدر الدين حسن نصر الله وذلك في يوم الثلاثاء سابع عشر شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وأربعين وهذه ولايته الثالثة لكتابة السر. واستمر في الوظيفة على أمور وقعت له - ذكرناها في الحوادث - إلى أن مات في التاريخ المقدم ذكره بعد أن باشر الوظيفة على طريق وزراء السلف من الملوك في الإنعام والعطايا والبر والصدقات والرواتب والإحسان للفقهاء والفقراء بل وإلى غالب من ورد عليه وتردد إلى بابه كبيرًا كان أو صغيرًا غنيًا كان أو فقيرًا حتى شاع ذكره وبعد صيته وقصده الناس من الأقطار وهو مع ذلك لا يكل ولا يمل بل يجود بما هو في حاصله وبما عساه يدخل إليه. ولقد حدثني غير مرة أنه لم يستحق عليه منذ حياته زكاة عين قلت: فلله دره لقد استحق قول الشيخ جمال الدين بن نباتة في ممدوحه الملك المؤيد إسماعيل صاحب حماة حيث قال: الرجز لا ظلم يلقى في حماه العالي إلا على العداة والأموال ولما حج في سنة خمسين وثمانمائة وحجت في تلك السنة أيضًا كريمته خوند زوجة السلطان الملك الظاهر جقمق وسافرا معًا في الركب الأول فظهر للناس من علو همته وغزير مروءته وعظيم إحسانه ما لعله يذكر إلى الأبد. ولقد حدثني بعض أعيان مكة أنه كان إذا وقف على أخبار البرامكة وغيرهم ينكر ذلك بقلبه حتى رأى ما فعله القاضي كمال الدين هذا من الإحسان إلى أهل مكة وغيرهم فعند ذلك تحقق ما قيل في سالف الأعصار. قلت: " وهو أعظم من رأينا وأدركنا ولله الحمد والمنة على إدراكنا لمثل هذا الرجل الذي مات ولم يخلف بعده مثله - رحمه الله تعالى وعفا عنه ". وتوفي الشيخ الإمام العالم زين الدين طاهر بن محمد بن علي النويري المالكي أحد فقهاء المالكية بالقاهرة في يوم الاثنين خامس شهر ربيع الأول وسنه نيف على ستين سنة تقريبًا. وكان إمامًا عالمًا فقيهًا دينًا صالحًا - رحمه الله تعالى. وتوفي الملك الكامل خليل بن الملك الأشرف أحمد بن الملك العادل سليمان صاحب حصن كيفا من ديار بكر قتيلًا بيد ولده في شهر ربيع الأول. وتولى ولده المذكور الملك من بعده ولقب بالملك الناصر ودام في مملكة الحصن إلى شهر رمضان من السنة المذكورة فوثب عليه ابن عمه الملك حسن وقتله وسلطن أخاه أحمد ولقبه بلقب أبيه المقتول الملك الكامل. وكان الملك الكامل خليل - صاحب الترجمة - ملك الحصن بعد قتل أبيه الملك الأشرف في سنة ست وثلاثين وثمانمائة وقد ذكرنا واقعة أبيه الأشرف في ترجمة الملك الأشرف برسباي لما أراد وتوفي الأمير سيف الدين ألطنبغا بن عبد الله الظاهري المعلم اللفاف أحد أمراء الألوف بالديار المصرية بطالًا في يوم الاثنين عاشر شهر ربيع الآخر. وكان أصله من صغار مماليك الملك الظاهر برقوق وطالت أيامه في الجندية إلى أن عمر وتسلطن الملك الظاهر جقمق فقربه وأنعم عليه بإقطاع هائل بعد مسك قلمطاي الإسحاقي ثم بعد مدة يسيرة أمره عشرة ثم زاده زيادات كثيرة وولاه نيابة الإسكندرية ثم عزله بعد مدة وجعله من جملة مقدمي الألوف بالديار المصرية فباشر ذلك إلى أن عجز عن الحركة لكبر سنه واستعفى فأخرج السلطان إقطاعه لولده المقام الفخري عثمان زيادة على ما بيده فلم تطل مدة ألطنبغا هذا بعد ذلك ومات. وكان عاقلًا دينًا خبيرًا عارفًا بأنواع الفروسية رأسًا في لعب الرمح معلمًا فيه ولهذا كان شهرته بالمعلم - رحمه الله تعالى. وتوفي الأمير سيف الدين برسباي بن عبد الله الساقي المؤيدي أحد أمر العشرات في يوم الجمعة سابع عشرين جمادى الأولى وأنعم السلطان بإمرته على الأمير جانم الظاهري الساقي. وكان برسباي رجلًا عاقلًا ساكنًا حشمًا وقورًا - رحمه الله تعالى. وتوفي الأمير جمال الدين يوسف بن يغمور نائب قلعة صفد بها في أوائل شعبان وكان مولده بالقاهرة وتشتت بالبلاد إلى أن قدم القاهرة بعد موت الملك المؤيد شيخ وترقى إلى أن ولي نيابة قلعة صفد ثم نقل إلى أتابكية صفد ثم أعيد إلى نيابة قلعتها ثانيًا إلى أن مات. وكان عارفًا مدبرًا سيوسًا عاقلًا - رحمه الله تعالى. وتوفي الإمام العالم العلامة زين الدين عمر ابن الأمير سيف الدين قديد القلمطاوي بمكة المشرفة في مجاورته في ثامن عشر شهر رمضان وسنه ثمان وستون سنة. وكان إمام عصره في النحو والعربية والتصريف وله مشاركة كبيرة في فنون كثيرة وكان يتزيا بزي الأجناد ويتقلل في ملبسه ولا يتعاظم في أحواله ويركب الحمار مع عراقته في الرياسة وتبحره في العلوم حتى إنه مات ولم يخلف بعده مثله في علم العربية والتصريف. وتوفي الأمير الطواشي زين الدين خشقدم الرومي اليشبكي مقدم المماليك السلطانية بطالًا بداره التي أنشأها بالقرب من قنطرة طقز دمر خارج القاهرة في ليلة الأربعاء ثامن عشر شوال وسنه نيف على سبعين سنة. وكان أصله من خدام الوالد وقدمه في سنة تسع وتسعين إلى الملك الظاهر برقوق في جملة خدام ومماليك فأنعم به الظاهر على فارس الحاجب ثم ملكه بعد فارس الأمير يشبك الشعباني الأتابكي وأعتقه ثم اتصل بعد موت أستاذه بخدمة السلطان وصار من جملة الجمدارية الخاص ثم نقل إلى نيابة المقدم ودام بها سنين إلى أن ولي تقدمة المماليك السلطانية بعد موت الافتخاري ياقوت الأرغون شاوي في سنة ثلاث وثلاثين فدام على ذلك إلى أن قبض عليه الأتابك جقمق العلائي وحبسه بثغر الإسكندرية مع من حبس من الأمراء الأشرفية وغيرهم. ثم أطلق وتوجه إلى دمياط فدام بها مدة ثم نقل إلى المدينة الشريفة وبعد مدة قدم إلى القاهرة فدام بطالًا إلى أن مات. وكان طوالًا حشمًا متعاظمًا صاحب سطوة ومهابة وحرمة زائدة مع طمع كان فيه وشمم مع عدم فضيلة - رحمه الله تعالى. وتوفي الأمير سيف الدين طوغان السيفي آقبردي المنقار نائب الكرك قتيلًا بيد العربان في هذه السنة. وهو من الأصاغر الذين أنشأهم الملك الظاهر جقمق في أوائل دولته ولم أعرفه قبل ذلك ولا أعرف معتقه بل قيل إنه من مماليك آقبردي المنقار وقيل نوروز الحافظي والأول أقرب.
|